أسئلة موجّهة إلى السيد فريدريش كليوتش، مخرج الفيلم الوثائقي “بيت العجائب”

س: تهدفون من خلال الفيلم والكتاب المرافق له إلى تسليط الضوء ليس فقط على شخصيات مثل السيّد سعيد بن سلطان، وحمَد بن محمد المرجبي (تيبو تيب)، ومبارك بن علي الهنائي، بل كذلك إلى إبراز الأثر الثقافي العميق للحضور العُماني والعربي في شرق إفريقيا. إلى أي مدى تعتقدون أن المشروع نجح في التقاط الجوانب المتعددة لهذا التأثير الثقافي والاقتصادي والسياسي؟

كان بإمكاننا تعداد العناصر المتنوعة للتبادل بين شرق إفريقيا وعُمان دون ربطها بسِيَر شخصياتنا الرئيسية. إلا أن خبرتنا في صناعة الأفلام قادتنا إلى اختيار هذا الأسلوب، لأنه يثير اهتماماً تاريخياً على مستوى شخصي ويُعمّق الارتباط العاطفي لدى الجمهور المعاصر. قد يبدو هذا النهج السردي القائم على التراجم، من منظور علمي بحت، التفافاً غير ضروري، إلا أن نظريات التعلّم أثبتت فعاليته واستدامته.

س: استخدمتم قصر “بيت العجائب” كعنصر مركزي في السرد، ومنحتم جدرانه ولوحاته حياة جديدة داخل الفيلم. لماذا وقع اختياركم على هذا المعلم تحديداً رغم وجود مواقع كثيرة أخرى تُجسّد الحضور العماني في زنجبار وشرق إفريقيا؟

يُعدّ “بيت العجائب” في مدينة الحجر (ستون تاون) بزنجبار أيقونة لا مثيل لها للحضور العُماني في شرق إفريقيا. فهو يجمع بين العناصر المعمارية الإفريقية والعربية والهندية والغربية في مبنى واحد ينبض بالتنوّع والهيبة والحداثة في الوقت ذاته. إنّه معلم شهير عالمياً، وهو حجر أساس في تشكيل الهوية الثقافية لما يُعرف بساحل السواحِل. وقد تدهورت حالته بسبب الإهمال ويحتاج إلى كل دعم ممكن لضمان بقائه.

س: يمتد الحضور العُماني في شرق إفريقيا لقرون، لكنكم ركّزتم على المرحلة المتأخرة من هذا الحضور. ما الذي ألهمكم اختيار هذه الحقبة وهذه الشخصيات تحديداً؟

لقد أتاحت الرياح الموسمية الموسمية العلاقات بين عُمان وشرق إفريقيا منذ عصور ما قبل التاريخ. أوّل آثار الوجود العُماني ظهرت في العصور الإسلامية، وقد تناولنا هذا في الحلقة الأولى من خلال فتاوى كيلوا. أما الحضور العماني الدائم فقد تعزّز في القرن السابع عشر نتيجة الصراع مع البرتغاليين، وقد أشرنا إليه عند مناقشة أسرة المزاريع في مومباسا. لكن التأثير العُماني العميق في ثقافة الساحل لم يبدأ فعلياً إلا مع السيد سعيد بن سلطان وتأسيس سلطنة زنجبار. وعلى الرغم من تناولنا للعلاقات السابقة لتأسيس السلطنة، فقد اخترنا شخصيات كان لها دور فاعل في هذا التبادل خلال وجود السلطنة. هناك الكثير من الشخصيات الأخرى المستحقة للتناول الإعلامي، ونأمل أن يواصل زملاؤنا العمانيون العمل في هذا المجال.

س: يبدو الفيلم والكتاب وكأنهما يقدّمان رؤية واحدة مصقولة للحضور العُماني في زنجبار. ألا تخشون أن يؤثر ذلك على مصداقية السرد لعدم إخضاعه لقدر كافٍ من النقد؟

نقدّر هذا السؤال والمساحة التي يمنحها لنا. لقد حرصنا على رفع القيمة الإنتاجية ضمن حدود الميزانية، لكننا نفضل وصف النتيجة بأنها “متقنة” لا “مصقولة”. سعينا لتقديم أعمال ثقافية تجمع بين الدقة التاريخية والسرد الفني وجودة التنفيذ، بما يليق بقيمة الموضوع ويلتزم بالمعايير الدولية. وقد خضع المشروع لعدة مراحل من التدقيق:
أولاً، من خلال تكليف شركة أجنبية ومستقلة لتقديم تقييم للحضور العُماني في شرق إفريقيا، وهو إجراء يُعد من أفضل الممارسات.
ثانياً، عبر إشراك شبكة واسعة من الخبراء الأفارقة والعُمانيين والدوليين، من أكاديميين عالميين إلى حرفيين محليين وشهود مطّلعين.
ثالثاً، من خلال النقد الجاري حالياً من لجان التحكيم والجمهور ووسائل الإعلام. ولو ظهرت اعتراضات جوهرية أو أخطاء علمية لصرّحنا بها فوراً.
حتى الآن، تلقّى المشروع جوائز عدّة، وتُرجمت الأفلام والكتاب إلى العربية والإنجليزية والسواحيلية، وعُرضت في دول عدة، ونحن واثقون بصحة الرسائل التي يقدّمها “بيت العجائب”.

س: تستضيفون في الفيلم عدداً من الباحثين، إلا أنهم يبدون وكأنهم يشتركون في وجهة نظر واحدة. كيف تفسّرون ذلك؟

إن اختيارنا لسرد قصصي قائم على شخصيات وأماكن يجعل وجهة النظر مرتبطة بالمسار التاريخي الذي نتابعه. وهذا يختلف عن العمل الصحفي. لكن هذا لا يعني أننا منحازون.
صحيح أن هناك تشابهاً في بعض مداخلات الباحثين، ونضرب مثالاً من الحلقة الثانية: للسؤال عمّا إذا كان تيبو تيب غازياً أم مساهِماً، ذهبنا إلى شرق الكونغو للقاء عالم آثار بلجيكي وأسقف كاثوليكي وإمام محلي وناشطة كونغولية. وقد أكد جميعهم إسهام تيبو تيب الحضاري في قَصَنجو في القرن التاسع عشر. هذا هو منهجنا: النتيجة تصبح موضوعية عندما تتقاطع عندها شهادات متعددة.

س: في الفيلم تبرز أحياناً مفارقة بين السرد والصورة، مثل تقديم تيبو تيب كشخصية مؤثرة بينما تُظهر اللقطات مشاهد عنف. هل كان ذلك مقصوداً لتمرير رسالة أعمق؟

نؤكّد أنه لا توجد رسالة خفية. كان تيبو تيب بالفعل شخصية محورية في تجارة القوافل، وذلك بفضل فهمه للاحتياجات وقدرته على تحقيق أهدافه. ونحرص دائماً على تقديم الصورة الكاملة. كان عنف تلك الحقبة جزءاً من الواقع، ولا يمكن تجاهله. أما بخصوص معركة ملك أنساما في الحلقة الثانية، فكما يقول سير ستيوارت لاينغ – كاتب سيرة تيبو تيب – لا نعلم من أطلق النار أولاً.

س: شارك أعضاء من الفريق العُماني ككتّاب ومترجمين وممثلين ومصورين. ما أثر مشاركتهم في تشكيل المشروع؟

تشتهر شركتنا بإنتاج الوثائقيات الدرامية التي تمزج بين إعادة التمثيل عالية الجودة والبحث الوثائقي والمؤثرات الرقمية. ولتعزيز هذه المهارات في السلطنة، كان نقل المعرفة هدفاً أساسياً. وقد شارك الفنانون العُمانيون في مختلف مراحل الإنتاج وأقسامه. وإذا نجحنا في نقل خبراتنا، ونأمل ذلك، فسنشهد في المستقبل أعمالاً عمانية عالية المستوى في مجال الوثائقيات الدرامية.

س: لعب الممثلون العُمانيون أدواراً رئيسية، لكن حضورهم كان محدوداً في الأدوار الثانوية. هل أثّر ذلك على أصالة الفيلم؟ وهل كان بسبب نقص المواهب أو قيود الإنتاج؟

صحيح أن قيود الإنتاج والميزانية لم تسمح بإسناد كل دور عُماني لممثل عُماني. ولذا فضّلنا إعطاء الأولوية لأصالة المواقع والبيئة على حساب الأدوار الثانوية. ولهذا استعنا بممثلين محليين يشبهون الشخصيات مظهرياً، وكثير منهم من أصول عُمانية.

س: يرافق الفيلم كتاب واسع المحتوى. هل كان الكتاب هو المصدر الأساسي للفيلم؟ وهل كان شاملاً كفاية لتغطية التاريخ الطويل للحضور العُماني في شرق إفريقيا؟ وما أهميته العلمية والفنية؟

في الواقع كان الفيلم هو المصدر الأساسي للكتاب، لا العكس. فقد اتُّخذت القرارات الهيكلية للفيلم أولاً ثم نُقلت إلى الكتاب، بما في ذلك اختيار الشخصيات وتوزيع عناصر التبادل الثقافي بين الحلقات.
هناك كمّ هائل من البحث صُبّ في المشروع، وكان لا بد من اختيار ما يمكن تضمينه في الفيلم. أما الكتاب فهو خزان للأفكار والمواد التي لم يَسَع الفيلم احتواءها، كما يقدّم تفاصيل إضافية حول العناصر الموجودة في الفيلم.

س: يتناول الكتاب نفسية الفرد العُماني ودافعَه للسفر والانفتاح على الحضارات. هل نجح الفيلم في إبراز هذا البعد النفسي الذي دفع العُمانيين لبناء حضارة موازية في شرق إفريقيا؟

قد لا يعرف الجمهور أننا أنتجنا سابقاً سلسلة وثائقيات درامية بعنوان “أبناء السندباد”، تناولت أبو عبيدة، وطريق الحرير البحري، والملاح العُماني أحمد بن ماجد. وقد قدّمت هذه السلسلة معالجة متعمقة لأهمية السفر والتجارة والهجرة في التاريخ العُماني. وفي كثير من الجوانب، يُعدّ “بيت العجائب” امتداداً لهذه السلسلة. لا تفوتوا مشاهدتها!

س: يقدّم الكتاب عرضاً ثرياً للحضور الثقافي العُماني في زنجبار وشرق إفريقيا. كيف ضمّنتم الدقة والموثوقية التاريخية، خاصة عند التعامل مع روايات متعارضة؟

لا بدّ من الاعتماد على المصادر التاريخية في الأرشيف والآثار، وكذلك على الأكاديميين والشهود المحليين. ومن تجربتنا، الخلافات لا تدور عادة حول الحقائق بل حول تفسيرها، وهذا مجال الأيديولوجيا. فهل نفسّر الوجود العُماني باعتباره هجرة – كما نفعل نحن – أم استعماراً على غرار “التكالب على إفريقيا”؟ هناك معايير موضوعية: تقاسم السلطة، المشاركة، سلسلة القيمة، المصاهرة… إلخ.
مشروع “بيت العجائب” ليس الأول ولا الوحيد في هذا المجال، بل يضيف سردية جديدة إلى روايات قائمة في الكتب والمتاحف والإعلام، ونطلب من الجمهور اعتباره رؤية جديرة بالاهتمام.

س: من وجهة نظركم، ما أهمية تقديم الحضارة العُمانية العريقة باستخدام الوسائط البصرية والفنية المعاصرة؟ وكيف يساعد ذلك في تعزيز فهم التاريخ العُماني؟

أي زائر للسلطنة يلحظ أن أهلها معتادون على التنوع ومتصالحون معه، ويتمتعون بروح التعاطف والانفتاح غير المحدود بالأيديولوجيات. ونرى أن هذه الصفات نتاج لتفاعل عُمان الممتد عبر آلاف السنين مع عالم المحيط الهندي المتنوّع.

س: يشهد المشهد الثقافي الإعلامي تحوّلاً نحو السرد البصري الحديث. كيف يمكن للسينما توظيف تقنياتها لإثارة تفاعل فكري مع قضايا التاريخ والحضارة؟ وإلى أي مدى نجحت أفلامكم الثلاثة في تقديم الحضور العُماني في زنجبار وشرق إفريقيا بما يتوافق مع تطلعات الجمهور المعاصر؟

من الصحيح أن المشهد الإعلامي يشهد تغيراً في عادات المشاهدة، خاصة لدى الأجيال الأصغر. ورغم ذلك، اخترنا عمداً أسلوباً تقليدياً في السرد والمدة وقنوات العرض، استناداً إلى دراسات تؤكد أن الموضوعات الفكرية الكبرى لا تزال تُفضَّل معالجتها في قوالب كلاسيكية.
أما التحدي فهو الوصول إلى جمهور اليوم الذي قلّ اعتماده على الوسائط التقليدية. ونعمل على ذلك عبر المشاركة في المهرجانات، وتنظيم عروض مدرسية، وإنتاج مقاطع قصيرة عمودية للنشر عبر وسائل التواصل، وإطلاق سينما متنقلة في جزر زنجبار، وربما إعداد مواد تعليمية مشتركة مستقبلاً.
هل نجحنا؟ أعتقد أن البداية قوية، لكن لا يزال أمامنا عمل لنبلغ أهدافنا كاملة.